top of page
  • د. محمد علي البار

الموت وموت الدماغ في المفهوم الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

مركز أخلاقيات الطب – المركز الطبي الدولي- جدة

( الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليـبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور) "الملك /2"

والقائل سبحانه وتعالي ( كل نفس ذائقة الموت ) ولم ينجُ من الموت حبيبه وخيرته من خلقه محمد صلى الله عليه وسلم . قال تعالى ( إنك ميّت وإنهم مِيتون )

* تعريف الموت:عند المسلمين لايختلف عن تعريفه في الحضارات الإنسانية المختلفة والأديان المتباينه. فقد إتفق الفراعنة والبابليون والآشوريون واليونان والصينيون والهنادكة واليهود والنصارى والمسلمون على أن الموت هو مفارقة الروح للجسد .

ثم أختلفوا بعد ذلك إختلافات كثيرة في هذه الروح . وهل تعود إلى الجسد نفسه أم إلى جسد آخر كما يزعم البوذيون والهنادكة والشنتو حيث يقولون بتناسخ الأرواح .

والمفهوم الإسلامي للموت هو إنتقال الروح من الجسد إلى ماأعد لها من نعيم أوعذاب والروح مخلوقة مربوبة ، خلقها الله سبحانه وتعالى ، ثم هي خالدة. والمقصود بموتها هو مفارقتها للجسد . قال إبن القيم في كتاب الروح : والصواب أن يقال ان موت النفس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها ، فإن أريد بموتها هذا القدر ، فهي ذائقة الموت ، وإن أريد أنها تعُدم وتضمحل وتصير عدماً محضاً فهي لاتموت بهذا الإعتبار ".

ويقول فضيلة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في بحثه القيم " أجهزة الإعاش وحقيقة الوفاة بين الفقهاء والأطباء" : "إن حقيقة الوفاة هي مفارقة الروح البدن "

ويقول الإمام الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين : " إن كل عضو لاروح فيه فلا يحسّ الألم . فإذا كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح . " ( الأحياء ج 4/461)

وقد وكلّ الله سبحانه وتعالى ملائكة يقومون بإخراج الروح من البدن ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) { السجدة:11}وقال تعالى ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) { النساء : 97} وقال تعالى ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ) { الأنعام : 93}

ويخفف الله النزع عن المؤمن حتى تسيل نفسه مثل القطرة من فم الدلاء ، وأما الكافر والمنافق فتنزع روحه نزعاً حتى تخرج كما يخرج السفّود المبلل من كومة الصوف.

حكم المولود إذا لم يستهلّ صارخاً وحركة المذبوح :

قال صلى الله عليه وسلم : إذا أستهل المولود ورث " (أخرجه أبو داود والبيهقي ). وأخرج إبن ماجه عن جابر بن عبد الله قوله " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لايرث الصبي حتى يستهل " والإستهلال هو الصراخ عند الولادة .

جاء في الموسوعة الفقهية " وتعرف حياته (أي المولود)بالإستهلال صارخاً. وأختلف الفقهاء فيما سوى الإستهلال. فقالت طائفة : لايرث حتى يستهل صارخاً ، وهو المشهور عن الإمام أحمد " .

ويرى الإمام مالك إذا لم يستهل صارخاً لم يعتبر حياً. قال إبن الماجشون :" إن العطاس يكون من الريح ، والبول من إسترخاء المواسك (أي العضلات العاصرة Sphincter ) "

ويقول خليل بن إسحاق : "ولا سقط مالم يستهل صارخاً ، ولو تحرك أو بال أو رضع "

وقد إختلفوا في الحركة والرضاع والعطاس !! وخاصة الرضاع فلا يمكن أن يرضع الطفل من الثدي وهو ميت ، كما قال المازري .

وإذا لم يكن للمولود حياة مستقرة مثل إستهلاله صارخاً أو مصّ الثدي بالتالي طال زمن تنفسه . أما ماعدا ذلك من الحركة اليسيرة والإختلاج والتنفس اليسير لايحكم له بها بالحياة وبالتالي لايرث.ولا بد أن تكون للمولود حياة مستقّرة . ويعرّفها الزركشي في كتابه " المنثور من القواعد " بقوله : " الحياة المستقرّة هي أن تكون الروح في الجسد ، ومعها الحركة الإختيارية دون الإضطرارية (وتسمى في الطب الأفعال الإنعكاسية)... وأما حياة عيش المذبوح فهي التي لايبقى معها إبصار ولا نطق ولا حركة إختيارية "

{ الزركشي : المنثور من القواعد ج2/105}

وقال الرملي في نهاية المحتاج (ج7/15,16) ك " وإن أنهاه (أي المجني عليه) رجل إلى حركة مذوح بأن لم يبق فيه إبصار ونطق وحركة وإختيار ..."

فإذا وصل الشخص إلى حركة المذبوح ، ومع ذلك كان يتنفس بدون آله ويتحرك حركة إضطرارية ( أي أفعال إنعكاسية)، وقد فقد النطق والبصر والإدراك، فإنه يعتبر عندهم ميّتاً . رغم أنه قلبه لايزال ينبض ودورته الدموية لاتزال جارية، وهو يتنفس بدون آلة تنفس صناعي ويتحرك لكن حركات غير إرادية.

علامات الموت :

عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الروح إذا قبض اتبعه البصر " أخرجه مسلم .

وعلامات الموت عند الفقهاء هي: إنقطاع النفس وإسترخاء القدمين وعدم إنتصابهما ، وإنفصال الكفين ، وميل الأنف وإمتداد جلدة الوجه وإنخساف الصدغين ،وتقلص الخصيتين إلى فوق مع تدلي الصفن وبرودة البدن . فإن حدث شك أو مات الشخص فجأة فعلى المشخصّ الإنتظار حتى تتبيّن العلامات.(إلى تغيّر الرائحة).

ولم يعرَفْ الفقهاء قط نبض القلب والدورة الدموية ولم يتحدثوا عنها في كتبهم عند الكلام عن الموت .وأما توقف النفس فلم يوضحوا كيفية الإستدلال عليه . ومع تقدم الطب ظهرت أهمية التنفس وأهمية الدورة الدموية وإمكانية الإنقاذ حتى لو توقف القلب عن العمل لعدة دقائق . وأما في عمليات القلب المفتوح فيمكن إيقاف القلب لعدة ساعات لإن الدورة الدموية لاتتوقف، والتنفس يستمر عبر المنفسه

( Ventilator ) .

مفهوم الموت عند الأطباء :

الموت عند الأطباء هو نهاية الحياة في البدن الإنساني بتوقف القلب والدورة الدموية والتنفس توقفاً لارجعة فيه، أو توقف الدماغ بما فيه جذع الدماغ عن العمل توقفاً تاماً لارجعة فيه. وبما أن جذع الدماغ يتحكم في الدورة الدموية والقلب والتنفس فإن موت جذع الدماغ يؤدي لامحالة إلى توقف القلب والتنفس . ولكن يمكن بواسطة الأجهزة والعقاقير الخاصة أن يستمر القلب في النبض والدم في الجولان في الجسم، بينما الشخص قد فقد تماماً النطق والإدارك والحركة والإحساس . وقد تبقى بعض الأفعال الإنعكاسية وهو ماسماه الفقهاء السابقون الحركة الإضطرارية الموجودة في المذبوح أو المولود الذي لم يستهّل .

والموت عند الأطباء هو موت الإنسان ككل وبالتالي عدم القدرة على الإحتفاظ بخلايا جسمه حيه ،وهي نقطة اللا عودة ، ومهما بذل الأطباء من محاولات الإنقاذ والإسعاف فإن الجسم يسير في طريق التحلل التام والإنتهاء.

وإذا توقفت الدورة الدموية وتوقف التنفس توقفاً لارجعة فيه بحيث يفقد الشخص قدرته على الإحساس والحركة والنطق والسمع والبصر كما يفقد قدرته على التنفس فإن خلاياه لاتموت كلها دفعة واحدة . وأول الخلايا موتاً خلايا الدماغ ففي بضع دقائق من توقف الدورة الدموية تموت خلايا الدماغ وتتبعها الكبد والقلب والكلى ، بينما تمكث خلايا الجلد وقرنية العين والعظام فترة تتراوح مابين 12 و24 ساعة من دون تبريد . كما يمكن تبريد الخلايا والأنسجة وإبقاؤها حيه لمدة طويلة، فيمكن تبريد الخلايا الموّلدة لليفين ) Fibroblasts ( والحيوانات المنوية واللقائح ( Zygotes ) عشرات السنين .

ولكن الموت ليس مجرّد موت الخلايا أو الإحتفاظ بها حيةّ في ظروف معينة ، وإنما هو موت الإنسان ككل ، وبالتالي عدم قدرة الجسم على الإحتفاظ بخلايا جسمه حيه ( في بدنه) وهي نقطة اللاعودة ،مهما بذل الأطباء من محاولات الإنقاذ لإن الجسم سائر نحو التحلل والإنتهاء .

وقد عرف الدكتور كريستوفر باليس ( Christopher Pallis )الموت في كتابه " ألف باء موت جذع الدماغ " بأنه فقد ان الإدارك والإحساس والقدرة على الحركة الإرادية بالإضافة إلى فقدان تام لارجعة فيه للقدرة على التنفس " وهو مايتفق مع ماذكرناه آنفاً .

موت الدماغ :

إن موت الدماغ ( كل الدماغ ) يحدث في حالات الشنق وحالات القصاص . فعندما يشنق الإنسان أو يضرب عنقه بالسيف تتوقف الدورة الدموية عن الدماغ توقفاً لارجعة فيه.

ولكن القلب يستمر في النبض والتدفق لعدة دقائق . بل يستمر المذبوح في الحركة غير الإرادية

( الإضطرارية ) كذلك لعدة دقائق . وهو أمر مشاهد عند ذبح دجاجة أو خروف أو غيره من الحيوانات ويظل الحيوان يركل ويرفس لمدة قد تصل إلى نصف ساعة .

تشخيص موت الدماغ :

لابد أولاً : من وجود شخص مغمى عليه إغماء كاملاً ( أي فقد النطق والإدراك والإحساس بالألم والحركة الإرادية والسمع والبصر ) .

ثانياً: لايتنفس إلا بواسطة جهاز المنفسه Ventilator .

ثالثاً :تشخيص سبب هذا الإغماء وفقدان التنفس ، ويوضح إصابة أو مرضاً في جذع الدماغ أو الدماغ بأكمله .

رابعاً: عدم وجود أسباب تؤدي إلى الإغماء المؤقت مثل تعاطي الكحول أو العقاقير أو إنخفاض شديد في ضغط الدم / أو إرتفاع شديد في سكر الدم،أو إنخفاض شديد فيه،أو فشل كلوي أو كبدي،أو إحدى الغدد الصماء ... الخ . وهي أسباب يجب معالجتها أولاً .

خامساً : أن لايكون الإنسان قد وقع في منطقة ثلجية وبرد جسمه ، فلا بد من إعادة تدفئة جسمه ليصل فوق درجة 35,5 مئوياً (من الشرج) .

سادساً : ثبوت الفحوصات الطبية التي تدل على موت الدماغ وتتمثل في الآتي :

أ‌- عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ ، وهي فحوصات متعددة.

ب‌- عدم وجود التنفس بعد إيقاف المنفسه وبشروط معقدة .

ج- فحوصات تأكيدية مثل تخطيط (رسم) المخ الكهربائي EEG ، وعدم وجود أي دورة دموية في الدماغ بعد تصوير الشرايين الدماغية الأربعة ، أو بفحص المواد المشعة أو غيرها من الفحوصات .

فإذا تم هذا التشخيص وتمت إعادة الفحص بعد مرور 6 ساعات بالنسبة للبالغ و 12 ساعة بالنسبة للطفل و 24 إلى 48 ساعة بالنسبة للأطفال الرضع ( أقل من سنه ) بواسطة طبيبين مختصين فإن ذلك التشخيص المسجل والموثق يعتبر إعلاناً للوفاة لذلك الشخص .

الفتاوي الصادرة في هذا الصدد

(1) فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم 6619 وتاريخ 5/2/1404

س2 : في الحالات التي تستلزم حالة المريض أو المصاب وضعه تحت أجهزة تعمل على تشغيل القلب والتنفس في آن واحد ميكانيكياً ، فإذا ثبت من تخطيط مخ المريض الذي يعمل بشكل دوري خلال 24 ساعة أنه في حالة أفقية (مسطح) فإن ذلك يفيد أن المخ توقف تماماً وأنه لايعمل طيلة هذه المدة ، الأمر الذي يفيد من وجهة النظر الطبية وفاة المريض . هل يجوز في هذه الحالة إيقاف الأجهزة التي تقوم بتشغيل القلب والتنفس أتوماتيكياً . ويهمنا أن نذكر أن الوفاة لن تعلن إلا بعد التأكد من أن القلب قد توقف بعد رفع هذه الأجهزة ، وظهور العلامات المتعارف عليها شرعاً .

ج2: إذا كان الواقع كما ذكر ، جاز إيقاف الأجهزة التي تشغل القلب وجهاز التنفس أتوماتيكاً، إذا كان القلب لاينبض لوحده ، والتنفس لاوجود له إلا بالأجهزة لأنه على هذا يكون ميتاً. وحركة القلب والتنفس إنما هي بالأجهزة لاحياة الشخص، لكن يجب التأكد من موته بعد رفع الأجهزة وقبل إعلان الموت لكمال أوجهها .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي ( القرار رقم 5/د3/7/86 بشأن أجهزة الإنعاش

المؤتمر الثالث بعمان الأردن 11-13 إكتوبر 1986 م

يعتبر شرعاً أن الشخص قدمات ، وتترتب عليه جميع الأحكام المقررةّ شرعاً للوفاة عن ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلامتين التاليتين :

1- إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً ، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لارجعة فيه.

2- إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً. وحكم الأطباء الإختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لارجعة فيه ، وأخذ دماغه في التحلل .

في هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص ، وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لايزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة .

قرار المجمع الفقهي الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في 21 إكتوبر 1987 م )

المريض الذي ركّبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها إذا تعطلت جميع وظائف الدماغ تعطلاً نهائياً. وقررت لجنة من ثلاثة أطباء إختصاصيين خبراء أن التعطل لارجعة فيه ، وإن كان القلب والتنفس لايزالان يعملان آلياً بفعل الأجهزة المركبة لكن لايحكم بموته شرعاً إلا إذا توقف التنفس والقلب توقفاً تاماً بعد رفع الأجهزة .

أحدث منشورات

عرض الكل

التداوي قرب نهاية الحياة والإنعاش القلبي الرئوي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ( الذي خلق الموت والحياة ليلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور )[1] فسبحان من تفرد بالبقاء وكتب على جميع مخلوقاته الموت حتى الأفلاك تموت .. حتى الشموس تموت ولها عمر

bottom of page